الذهب تحت الضغط بعد تراجع دون 4000 دولار للأونصة وسط اضطرابات في سوق العمل الأمريكي
شهدت أسعار الذهب العالمية تراجعًا ملحوظًا خلال تعاملات يوم الخميس، حيث هبط المعدن النفيس دون المستوى النفسي الهام عند 4000 دولار للأونصة، في ظل صدور بيانات اقتصادية أمريكية ضعيفة تعكس تباطؤ سوق العمل وتزايد مخاوف الركود الاقتصادي. ويأتي هذا التراجع بعد موجة من الارتفاعات القوية التي دفعت المعدن إلى أعلى مستوياته في عدة أشهر، مدعومًا بتوقعات خفض الفائدة الأمريكية، قبل أن تهدأ تلك التوقعات مؤخرًا.
وبحسب بيانات صادرة عن مؤسسة تشالنجر غراي آند كريسمس المتخصصة في تحليل سوق العمل، فقد ارتفعت إعلانات تسريح الموظفين في الولايات المتحدة خلال أكتوبر بنسبة تفوق 180% مقارنة بشهر سبتمبر، لتسجل نحو 153 ألف وظيفة تم الاستغناء عنها، وهو أعلى مستوى لتسريحات أكتوبر منذ عام 2003. وتوضح الأرقام أن سوق العمل الأمريكي بدأ يواجه ضغوطًا حقيقية، حيث تشهد العديد من الشركات عمليات إعادة هيكلة واسعة وسط التوسع في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتراجع الطلب في بعض القطاعات.
ويرى خبراء الاقتصاد أن هذه القفزة الكبيرة في معدلات التسريح تمثل إشارة تحذيرية للأسواق، خصوصًا مع تباطؤ وتيرة خلق الوظائف الجديدة لأدنى مستوياتها منذ سنوات. كما أن الإغلاق الحكومي الجزئي في واشنطن جعل بيانات القطاع الخاص المصدر الرئيسي المتاح لتقييم حالة الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحالي، بعد أن توقفت الحكومة مؤقتًا عن نشر بياناتها الرسمية.
في المقابل، أظهر تقرير صادر عن شركة ADP للموارد البشرية أن القطاع الخاص الأمريكي أضاف نحو 42 ألف وظيفة جديدة في أكتوبر، بعد شهرين من التراجع، ما يعكس تباطؤًا عامًا وليس انكماشًا كاملاً في سوق العمل حتى الآن. ومع ذلك، فإن التباين الواضح بين بيانات ADP وأرقام تشالنجر يزيد من حالة عدم اليقين التي تسيطر على المستثمرين.
أما على صعيد السياسة النقدية، فقد خفّض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة الأسبوع الماضي، في خطوة كانت متوقعة على نطاق واسع، لكن تصريحات رئيسه جيروم باول أوضحت أن هذا الخفض قد يكون الأخير خلال عام 2025، في إشارة إلى أن الفيدرالي يرغب في مراقبة تأثير قراراته قبل المضي في مزيد من التيسير. ووفقًا لبيانات فيد ووتش، فقد تراجعت توقعات الأسواق لاحتمال خفض جديد للفائدة في ديسمبر إلى 63% فقط بعد أن كانت تتجاوز 90% الأسبوع الماضي.
وتُعد هذه المعطيات ذات تأثير مباشر على الذهب، نظرًا للعلاقة العكسية بين أسعار الفائدة وقيمة المعدن النفيس، حيث يؤدي ارتفاع العائدات إلى زيادة تكلفة الاحتفاظ بالذهب الذي لا يدر فائدة، مما يضغط على أسعاره في المدى القصير.
حتى لحظة كتابة هذا التقرير، استقرت الأسعار الفورية للذهب عند نحو 3980 دولارًا للأوقية بعد أن كانت قد لامست 4019 دولارًا في وقت سابق من الجلسة. كما انخفضت العقود الآجلة للذهب تسليم ديسمبر بنسبة طفيفة بلغت 0.05% لتسجل حوالي 3990 دولارًا للأونصة.
أما في أسواق المعادن الأخرى، فقد شهدت الفضة ارتفاعًا بنسبة 1.3% لتصل إلى 48.69 دولارًا للأونصة، وارتفع البلاتين بنسبة 0.4% إلى 1568.26 دولارًا، في حين تراجع البلاديوم بنسبة 0.8% مسجلًا 1407.41 دولارًا للأونصة.
ويرى محللو بوينت تريدر جروب أن حركة الذهب الحالية تعكس تذبذبًا طبيعيًا بعد موجة مكاسب قوية، وأن تراجع الأسعار دون 4000 دولار لا يعني بالضرورة بداية اتجاه هبوطي طويل، بل ربما يكون تصحيحًا مؤقتًا قبل عودة الطلب الاستثماري على المعدن الأصفر كملاذ آمن، خصوصًا إذا استمرت مؤشرات الضعف في الاقتصاد الأمريكي أو شهدت الأسواق تراجعًا في الدولار الأمريكي خلال الأسابيع المقبلة.
ويؤكد الخبراء في بوينت تريدر جروب أن التركيز في المرحلة المقبلة سيكون على بيانات التضخم الأمريكية واجتماعات الاحتياطي الفيدرالي القادمة، إذ ستحدد تلك المعطيات ما إذا كان الذهب سيستعيد زخمه فوق حاجز 4000 دولار، أم سيواصل اختبار مستويات الدعم الجديدة قرب 3950 دولارًا للأونصة.
في المجمل، يبقى الذهب في دائرة التذبذب بين تأثير البيانات الاقتصادية الأمريكية من جهة، ومخاوف الركود العالمي من جهة أخرى، بينما يظل المستثمرون في انتظار إشارات أوضح حول مستقبل السياسة النقدية الأمريكية لتحديد الاتجاه القادم للأسعار.
العربية