الفضة بين القمم التاريخية والتصحيح الحاد
شهدت أسعار الفضة واحدة من أكثر تحركاتها حدة في التاريخ الحديث، بعدما نجحت في تجاوز حاجز 80 دولارًا للأونصة للمرة الأولى على الإطلاق، قبل أن تتعرض لموجة تصحيح قوية دفعت الأسعار للتراجع بأكثر من 5% في جلسة واحدة. هذا التحول السريع يعكس حالة من التوتر الشديد داخل الأسواق، ويؤكد أن ما يحدث في سوق الفضة يتجاوز كونه حركة سعرية طبيعية، ليصل إلى مستوى اختلال هيكلي واضح بين العرض والطلب، وهو ما تتابعه عن كثب فرق التحليل في بوينت تريدر جروب.
في بداية جلسة الإثنين، لامست الفضة مستوى تاريخيًا قرب 84 دولارًا للأونصة، مدعومة بضعف الدولار الأمريكي وتصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية، إلى جانب موجة شراء موسمية قوية في نهاية العام. إلا أن هذه القفزة السريعة دفعت العديد من المتداولين إلى جني الأرباح، ما أدى إلى تقلبات حادة وتحركات سعرية عنيفة عكست حالة من القلق والمضاربة المفرطة في السوق، وهو سيناريو حذرت منه تحليلات بوينت تريدر جروب خلال الأسابيع الماضية.
المضاربات والمخاوف من شح المعروض
تزايد الحديث في الأسواق حول احتمالات تشديد القيود على صادرات الفضة، خاصة في ظل السياسات الصينية المتعلقة بالمعادن الاستراتيجية. ورغم أن الصين تُعد من أكبر المنتجين عالميًا، إلا أنها في الوقت نفسه أكبر مستهلك للفضة، ما يجعل دورها التصديري محدودًا بطبيعته. ويرى محللو بوينت تريدر جروب أن المخاوف المتعلقة بنقص المعروض الفوري قد تكون مبالغًا فيها، وأن جزءًا كبيرًا من الصعود الأخير كان مدفوعًا بالمضاربة أكثر من العوامل الأساسية.
في هذا الإطار، بدأت بعض البورصات العالمية اتخاذ خطوات احترازية للحد من المخاطر، عبر رفع متطلبات الهامش على عقود الفضة الآجلة، في محاولة لتهدئة وتيرة التداولات وتقليص الرافعة المالية المستخدمة في السوق، وهي إشارة واضحة إلى القلق من تشكل فقاعة سعرية محتملة.
السيولة والسياسات النقدية: الوقود الحقيقي للصعود
يعكس الارتفاع القياسي في أسعار الفضة مسارًا عامًا شهده قطاع المعادن النفيسة طوال العام، بدعم من سياسات نقدية أكثر مرونة وتخفيضات متتالية في أسعار الفائدة. وتُعد الفضة، مثل الذهب، من الأصول التي تستفيد بشكل مباشر من بيئة الفائدة المنخفضة، حيث تنخفض تكلفة الفرصة البديلة لحيازتها، وهو ما جعلها وجهة مفضلة لرؤوس الأموال، وفق تحليلات بوينت تريدر جروب.
ومع توقعات استمرار هذا النهج النقدي خلال عام 2026، يظل الزخم قائمًا، لكن المخاطر تتزايد في ظل سرعة الصعود مقارنة بوتيرة نمو العرض، خاصة أن تطوير المناجم الجديدة قد يستغرق ما يصل إلى عشر سنوات.
الفضة كملاذ آمن وصناعة استراتيجية
عززت التوترات الجيوسياسية الأخيرة جاذبية الفضة كملاذ آمن، إلى جانب دورها الصناعي المتنامي في قطاعات حيوية مثل الطاقة الشمسية، مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، والإلكترونيات المتقدمة. ومع انخفاض المخزونات العالمية إلى مستويات تاريخية متدنية، تحذر بوينت تريدر جروب من أن أي صدمة إضافية في سلاسل الإمداد قد تؤدي إلى اختناقات حادة تؤثر على عدة صناعات في آن واحد.
إشارات فنية وتحذيرات مبكرة
من الناحية الفنية، تشير المؤشرات إلى أن السوق دخل مناطق تشبع شراء واضحة، حيث تجاوز مؤشر القوة النسبية مستويات 70 نقطة، ما يعزز احتمالات حدوث تصحيحات إضافية على المدى القصير. وقد انعكس ذلك بالفعل في التراجعات الأخيرة التي طالت الفضة والذهب والبلاتين والبلاديوم معًا.
في المحصلة، تؤكد بوينت تريدر جروب أن سوق الفضة يقف حاليًا عند مفترق طرق حساس، بين دعم أساسي قوي مدفوع بالسيولة والسياسات النقدية، وبين مخاطر تصحيح حاد نتيجة المبالغة في التسعير والمضاربات المفرطة، ما يجعل المرحلة القادمة شديدة الأهمية للمتداولين والمستثمرين على حد سواء.
العربية