في عالم التداول، لا تتوقف الخسارة عند فقدان المال فقط. هناك خسائر أخرى – نفسية وعاطفية – يمكن أن تكون أكثر ضررًا، وتؤدي إلى قرارات كارثية تدمر الحسابات وتُفقد المتداولين توازنهم بالكامل. أحد أبرز هذه الأخطاء وأكثرها شيوعًا بين المتداولين هو "الانتقام من السوق" أو ما يعرف بالإنجليزية بـ Revenge Trading.
هذا السلوك التدميري يصيب المتداولين من مختلف المستويات، سواء مبتدئين أو محترفين، لأنه يتسلل في لحظة ضعف، بعد خسارة موجعة أو شعور بالإهانة من حركة السوق. فما هو الانتقام من السوق؟ ولماذا هو خطير إلى هذا الحد؟ وكيف تتعامل معه إن وجدت نفسك في دوّامته؟
الانتقام من السوق هو نمط نفسي وسلوكي يدفع المتداول إلى دخول صفقات متسرعة وعشوائية، بهدف "تعويض الخسارة بسرعة"، أو "الرد على السوق"، دون وجود خطة تداول أو تحليل منطقي. في هذه الحالة، يتحول المتداول من مفكر عقلاني إلى مقامر غاضب، ينفذ أوامر بيع وشراء بدافع الغضب والإحباط، وليس بدافع الفرصة والتحليل.
غالبًا ما يأتي هذا السلوك بعد:
خسارة كبيرة في صفقة واحدة.
سلسلة خسائر متتالية تُفقد المتداول أعصابه.
الشعور بأن السوق "ظلمه" أو "تحايل عليه".
تجاهل خطة التداول أو إدارة رأس المال.
غالبًا ما يرتبط التداول بثقة النفس. فعندما يخسر المتداول، يشعر أن السوق "أهانه"، ويبدأ لا شعوريًا في الدفاع عن نفسه، لا بالدراسة والتحليل، بل بمحاولة إثبات أنه كان على حق. "أنا مش غلطان، السوق اللي غلط"، ومن هنا يبدأ الانتقام.
المال في التداول ليس مجرد رقم. إنه مجهود، وقت، طموح، وحتى كبرياء. وعندما يُنتزع هذا المال في ثوانٍ، يشعر المتداول أنه تعرض لسرقة، فينطلق بكل ما يملك من غضب لاستعادته بسرعة.
بعض المتداولين لا يدركون أنهم لا يتداولون بهدف الربح فقط، بل من أجل الإحساس بـ"الأدرينالين" والإثارة. والخسارة تجعلهم يبحثون عن جرعة جديدة من المخاطرة، حتى لو كانت دون وعي أو تخطيط.
قلة من المتداولين يتعلمون كيفية التعامل مع الجانب النفسي. الأغلب يركز على المؤشرات والاستراتيجيات ويهمل السيطرة على مشاعره. وعندما تنهار الأعصاب، يظهر هذا السلوك.
فيما يلي بعض الأمثلة التي توضح كيف يتجسد هذا السلوك عمليًا:
بعد خسارة مؤلمة، يقول في نفسه: "أنا كنت صح، السوق هو اللي قلب فجأة". فيقوم بفتح نفس الصفقة مرة أخرى فورًا، بدون انتظار إشارة دخول، على أمل أن يعود السعر، لكنه يخسر مجددًا… فيعيد الدخول… وتستمر الدوّامة.
يدخل صفقة جديدة بحجم لوت مضاعف على أمل استرجاع كل الخسارة بضربة واحدة، دون ستوب لوس. أحيانًا يربح، لكن غالبًا يخسر الباقي ويصفّر الحساب.
بسبب الغضب، يفقد ثقته في خطته، فيبدأ بالتنقل بين استراتيجيات وتحليلات، ويدخل السوق من أي إشارة غير واضحة، فقط ليشعر بأنه "فاعل" وليس "ضحية".
لأن تأثيره ليس لحظيًا فقط، بل تراكمي ومدمر. دعنا نستعرض مخاطره:
الصفقات الانتقامية غالبًا تكون غير مدروسة، بحجم مخاطرة أعلى، ودون إدارة رأس مال، مما يؤدي لخسائر أكبر بكثير من الصفقة الأصلية.
العقل في لحظة الغضب يعمل بنظام "البقاء"، ويغلق جزء المنطق والتحليل. تصبح قراراتك عاطفية بالكامل، ولا تدرك حجم الخطأ إلا بعد فوات الأوان.
بعد تنفيذ عدة صفقات انتقامية فاشلة، تفقد الثقة في قدرتك على اتخاذ قرارات صحيحة، وهذا أسوأ من الخسارة المالية. إنه شلل نفسي.
كل خسارة جديدة تولّد رغبة في انتقام أكبر، وتدخل في دوامة نفسية يصعب الخروج منها. كثير من الحسابات دُمّرت بالكامل بهذه الطريقة.
تدخل صفقات بسرعة بعد خسارة دون انتظار إشارة واضحة.
تحاول استرجاع الخسارة "في نفس اليوم".
تشعر بالغضب أو القهر بعد كل صفقة.
لا تلتزم بالخطة أو إدارة المال.
تكبّر حجم الصفقة بشكل غير منطقي.
تفكر في "الانتقام" من زوج عملات معين بعينه.
أول خطوة للعلاج هي الاعتراف. لو شعرت أنك تنتقم من السوق، لا تبرر لنفسك ولا تحاول تصحيح الخطأ بخطأ آخر. قل لنفسك: "أنا في حالة انفعال الآن، لازم أوقف فورًا."
ابتعد عن المنصة. حرفيًا. اقفل الجهاز. اخرج من الغرفة. امشِ. تنفّس. لا تتداول وأنت غاضب. الانتقام دائمًا قرار لحظي… لكن آثاره قد تكون دائمة.
اكتب في ورقة ما شعرت به بعد الخسارة. الغضب؟ القهر؟ الشعور بالظلم؟ لما تكتب ده، بتبدأ تشوف الأمور من برة، وده بيقلل التوتر ويخليك ترجع لحالة عقلانية.
هل عندك خطة أصلاً؟ هل التزمت بها؟ لو لا، فدي لحظة مهمة ترجع تبني خطة قوية بإدارة رأس مال واضحة ونقاط دخول وخروج مسبقة. التداول العشوائي هو الوقود الرئيسي للانتقام.
السوق ليس كائن حي. لا يعرفك، ولا يهتم بك، ولا "يتآمر" عليك. هو مجرد انعكاس لملايين المتداولين. تذكّر هذا جيدًا.
ضع حد أقصى للخسارة اليومية و"اقسم على نفسك" أنك ستتوقف إن وصلت له.
لا تتداول وأنت تحت ضغط نفسي: سواء بسبب مشاكل شخصية أو إجهاد أو إرهاق.
احرص على وجود مراجعة دورية لصفقاتك، سواء لوحدك أو مع شخص آخر تثق فيه.
استخدم حساب تجريبي بعد أي خسارة قوية إلى أن تستعيد توازنك.
لا تدخل السوق أبدًا لمجرد "تعديل مزاجك".
الانتقام من السوق ليس مجرد خطأ شائع، بل مرض نفسي تداولي قد يفتك بأي متداول، مهما كانت خبرته. لا يتعلق الأمر بالمؤشرات ولا بالاستراتيجية، بل بك أنت، وكيف تتعامل مع مشاعرك.
كن واعيًا، لا مندفعًا. كن عقلانيًا، لا انتقاميًا. واعلم أن من يدير مشاعره هو فقط من ينجو في سوق الفوركس.
للحصول على المشورة المالية من قبل خبراء بوينت تريدر جروب.
للحصول على المشورة المالية المجانية