كيف يؤثر سلوك البنوك المركزية على حركة أزواج العملات؟
في عالم الفوركس، لا يتحرك السوق عشوائيًا كما يتخيل البعض. وراء كل موجة صعود أو هبوط تقف قوى اقتصادية كبرى، من أهمها سلوك البنوك المركزية.
هذه المؤسسات ليست مجرد جهات حكومية تُصدر النقود، بل هي لاعبين أساسيين يحركون الأسواق بأدواتهم وقراراتهم، خصوصًا أزواج العملات.
فكيف يحدث ذلك؟ وما الأدوات التي تستخدمها البنوك المركزية للتأثير على أسعار الصرف؟ وكيف يمكن للمتداول الذكي الاستفادة من هذا الفهم في قراراته؟
ما هي البنوك المركزية ولماذا هي مؤثرة؟
البنك المركزي هو الجهة المسؤولة عن السياسة النقدية في أي دولة. وهو الذي يتحكم في حجم المعروض النقدي، أسعار الفائدة، وتنظيم القطاع المصرفي.
من بين أشهر البنوك المركزية عالميًا:
الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (Fed)
البنك المركزي الأوروبي (ECB)
بنك إنجلترا (BoE)
بنك اليابان (BoJ)
البنك الوطني السويسري (SNB)
هذه البنوك لها قدرة هائلة على التأثير في قيمة العملات المحلية، وبالتالي في حركة أزواج العملات المرتبطة بها.
أدوات البنك المركزي وتأثيرها على العملات
1. أسعار الفائدة (Interest Rates)
يُعد تغيير سعر الفائدة أحد أقوى أدوات البنك المركزي.
عندما يرفع البنك سعر الفائدة:
يزيد العائد على العملة، ما يجعلها أكثر جذبًا للمستثمرين.
يزداد الطلب على العملة، فترتفع قيمتها.
وعندما يخفض سعر الفائدة:
تقل جاذبية العملة.
يضعف الطلب عليها، فتنخفض قيمتها.
مثال: عندما رفع الفيدرالي الأمريكي الفائدة في 2022، ارتفع الدولار مقابل أغلب العملات.
2. عمليات السوق المفتوحة (Open Market Operations)
تشمل شراء أو بيع السندات الحكومية من أجل التحكم في السيولة.
عندما يشتري البنك المركزي السندات، يضخ سيولة في السوق، ما قد يؤدي إلى تراجع العملة.
وعندما يبيع السندات، يسحب السيولة، ما يدفع العملة للصعود.
3. السياسات التوجيهية (Forward Guidance)
يُصدر البنك توقعات مستقبلية حول الاقتصاد أو توجهاته المقبلة في السياسة النقدية.
حتى التلميحات في هذه التصريحات قد تؤثر بقوة على السوق، لأن المتداولين يتحركون بناءً على التوقعات.
مثال: قد يقول رئيس البنك "نتوقع مزيدًا من الزيادات في الفائدة"، مما يدفع العملة للارتفاع فورًا حتى قبل حدوث أي تغيير فعلي.
سلوك البنك المركزي أثناء الأزمات
في أوقات الركود أو الأزمات المالية، تتدخل البنوك المركزية بإجراءات استثنائية مثل:
خفض الفائدة إلى مستويات صفرية أو سلبية.
برامج التيسير الكمي (QE): ضخ تريليونات في الاقتصاد بشراء الأصول والسندات.
دعم مباشر للعملة في بعض الحالات (كما فعل البنك السويسري سابقًا).
وغالبًا ما تؤدي هذه التدخلات إلى تقلبات عنيفة في سوق العملات. لذلك، المتداول الذكي يراقب كل تصريح وكل قرار، بل أحيانًا كل كلمة تصدر عن مسؤولي هذه البنوك.
العلاقة بين البنوك المركزية وأزواج العملات
نظرًا لأن أزواج العملات تتكون من عملتين، فأنت دائمًا تتعامل مع توازن قوى بين سياستين نقديتين.
مثال بسيط:
إذا رفع الفيدرالي الأمريكي الفائدة، بينما أبقى البنك الأوروبي عليها ثابتة، سيرتفع زوج USD/EUR.
وإذا فعل العكس (الفيدرالي ثبت، والبنك الأوروبي رفع)، سينخفض الزوج.
بالتالي، لفهم حركة أي زوج عملات، لا تنظر فقط إلى عملة واحدة، بل إلى سلوك البنكين المركزيين المعنيين.
كيف تترجم هذه المعلومات إلى قرارات تداول؟
تابع الأخبار الاقتصادية بدقة:
خصوصًا اجتماعات البنوك المركزية، وتصريحات المحافظين.
افهم البيئة الاقتصادية:
مثل مستويات التضخم، البطالة، النمو، لأن هذه العوامل هي ما يحدد توجهات البنوك.
لا تتداول قبل القرارات مباشرة:
حركة السوق قبل إعلان الفائدة أو أي قرار رئيسي قد تكون غير منطقية، ويُفضل انتظار رد فعل السوق بعد الخبر.
كن مستعدًا للفجوات السعرية:
خصوصًا بعد تصريحات مفاجئة أو بيانات اقتصادية مؤثرة. السوق قد يفتح بعد عطلة أو فجوة سعرية عنيفة.
هل تتدخل البنوك المركزية في السوق مباشرة؟
نعم، في بعض الحالات النادرة.
تُسمى هذه الخطوة بـ"التدخل المباشر في سوق الصرف"، وتحدث عندما:
ترى الدولة أن عملتها قوية أكثر من اللازم، فتضعف قدرتها التصديرية.
أو ضعيفة جدًا بما يهدد الاستقرار الاقتصادي.
مثال تاريخي:
تدخل بنك اليابان أكثر من مرة في السوق لخفض قيمة الين.
تدخل البنك المركزي السويسري لإيقاف صعود الفرنك بعد أزمة 2008.
لكن هذه التدخلات نادرة، وتكون عادة مؤقتة التأثير ما لم تدعمها تغييرات حقيقية في السياسة النقدية.
خرافات شائعة بين المتداولين الجدد
"البنك المركزي يريد إسقاط العملة": خاطئ. البنوك تسعى للاستقرار، وليس لتحقيق ربح.
"كل رفع للفائدة يعني صعود للعملة": غير دقيق. التأثير يعتمد على التوقعات المستقبلية وليس الفعل وحده.
"قرار الفائدة هو كل ما يهم": القرار مهم، لكن التصريحات المصاحبة له تكون أحيانًا أكثر تأثيرًا.
الخلاصة
لفهم حركة أزواج العملات في الفوركس، لا يكفي الاعتماد على التحليل الفني أو مؤشرات السوق فقط.
فهم سلوك البنوك المركزية يعطيك رؤية أعمق لحركة الأسعار، ويجعلك مستعدًا للتغيرات الكبرى، ويقلل من المفاجآت.
في نهاية المطاف، السوق لا يتحرك فقط بسبب خطوط على الشارت، بل بسبب قرارات صادرة من مكاتب تقع في واشنطن، فرانكفورت، طوكيو، وغيرها.
ومَن يفهم منطق هذه القرارات... يفهم السوق.