أسعار النفط ترتفع مع تراجع المخزونات الأمريكية وترقب التطورات الجيوسياسية
تشهد أسعار النفط العالمية حالة من التذبذب الواضح خلال الفترة الأخيرة، وسط مجموعة من العوامل المتشابكة التي تتحكم في اتجاه السوق بين الضغوط السلبية من جانب، والدعم الإيجابي من جانب آخر. فقد ارتفعت أسعار النفط خلال تداولات منتصف الأسبوع بعد صدور بيانات أظهرت تراجعًا أكبر من المتوقع في مخزونات الخام الأمريكية، وهو ما أعطى دفعة قوية للأسواق التي كانت تتعرض لضغوط متزايدة بسبب المخاوف من تباطؤ الطلب العالمي وتزايد الإمدادات.
ففي التعاملات الأخيرة، ارتفع خام برنت بنسبة تقارب 1% مسجلاً مستويات حول 66.45 دولار للبرميل، بينما صعد خام غرب تكساس الوسيط بنحو 1.1% ليقترب من 62.46 دولار للبرميل. ويأتي هذا التعافي الجزئي بعد خسائر سابقة أثارتها احتمالات التوصل إلى تفاهمات أو اتفاق سلام محتمل بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما قد يفتح الباب أمام زيادة تدفقات النفط في الأسواق العالمية، خاصة في ظل التوسع الحالي في إنتاج أوبك+.
أما العامل الأبرز الذي دعم أسعار النفط، فكان التقرير الصناعي الأخير الذي أشار إلى أن مخزونات الخام الأمريكية انخفضت بمقدار 2.4 مليون برميل خلال أسبوع واحد فقط، وهو ضعف التوقعات تقريبًا. هذه البيانات عززت التفاؤل بأن مستويات الطلب ما زالت قوية داخل أكبر مستهلك للنفط عالميًا، وأن السوق قد يجد بعض التوازن رغم حالة القلق المستمرة بشأن النمو الاقتصادي العالمي.
وتترقب الأسواق صدور البيانات الرسمية من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لتأكيد هذه الأرقام، إذ عادة ما يكون لها تأثير مباشر وسريع على حركة الأسعار. فالمستثمرون والمتداولون في قطاع الطاقة يتابعون هذه المؤشرات عن كثب، حيث تمثل المخزونات الأمريكية أحد أهم المعايير التي تعكس قوة أو ضعف الطلب المحلي والعالمي.
على جانب آخر، لا تزال التوترات الجيوسياسية تلعب دورًا أساسيًا في تشكيل اتجاهات السوق. فالمحادثات المستمرة بشأن إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية بين روسيا وأوكرانيا تثير تساؤلات حول مدى تأثير أي اتفاق محتمل على تدفقات النفط العالمية. إذ يرى المتعاملون أن أي انفراجة في هذا الملف قد تساهم في تخفيف العقوبات المفروضة على صادرات الطاقة الروسية، وهو ما قد يضيف المزيد من المعروض إلى السوق، ويضغط بالتالي على الأسعار.
وفي المقابل، يعتقد محللون كثيرون أن الطريق نحو سلام شامل ما زال طويلًا ومعقدًا، وأن احتمالات التوصل إلى اتفاق نهائي خلال المدى القريب تظل محدودة. وهذا التباين في الرؤى يجعل الأسواق في حالة ترقب دائمة، حيث يتأرجح المستثمرون بين التفاؤل والحذر.
إلى جانب ذلك، يظل الطلب العالمي على الطاقة مرتبطًا بتطورات الاقتصاد الكلي، خصوصًا مع استمرار المخاوف من الركود وارتفاع معدلات التضخم في العديد من الاقتصادات الكبرى. فالبيانات الاقتصادية المتعلقة بالنمو الصناعي، والاستهلاك، وحركة النقل، جميعها مؤشرات يتم تحليلها بدقة من قبل المستثمرين، لأنها تحدد بشكل مباشر مستويات الطلب على النفط.
كما أن السياسة النقدية للبنوك المركزية، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، تمثل عنصرًا آخر مؤثرًا على أسواق الطاقة. فرفع أسعار الفائدة يؤثر على قوة الدولار، وبالتالي على تكلفة استيراد النفط بالنسبة لحائزي العملات الأخرى. وغالبًا ما يؤدي الدولار القوي إلى تقليل الطلب على السلع المقومة به، ومن بينها النفط.
في هذا السياق، تقدم بوينت تريدر جروب تحليلاتها المتعمقة للأسواق، مشيرة إلى أن المرحلة الحالية تتطلب إدارة حذرة للمخاطر، نظرًا لتقلب الأسعار بين صعود وهبوط سريع نتيجة البيانات المفاجئة أو الأخبار السياسية الطارئة. وترى المجموعة أن أسعار النفط قد تظل ضمن نطاق متقلب في المدى القصير، مع احتمالية استمرار الضغوط إذا زادت الإمدادات العالمية بوتيرة أسرع من نمو الطلب.
وبالنظر إلى المستقبل القريب، يراقب المستثمرون أيضًا تأثير تحركات أوبك+، إذ تعتبر قراراتها المتعلقة بالإنتاج من أبرز العوامل التي تحدد اتجاه السوق. فمع التزام بعض الدول بزيادة تدريجية في الإمدادات، قد يواجه السوق موجة جديدة من التخمة، خاصة إذا لم يتماشى ذلك مع انتعاش قوي في الطلب.
بوجه عام، يمكن القول إن أسعار النفط تقف عند مفترق طرق، حيث تتجاذبها قوى الدعم والضغط في وقت واحد. تراجع المخزونات الأمريكية يمنح الأسواق بعض الدعم، بينما يظل القلق قائمًا بشأن النمو العالمي وتطورات السياسة الدولية. وفي ظل هذه المعطيات، تبقى إستراتيجية المستثمرين قائمة على متابعة البيانات أولاً بأول، والتحوط من المخاطر المحتملة، في سوق لا يعرف الاستقرار طويل الأمد.