بيتكوين تهبط لأدنى مستوى في 7 أسابيع، بينما إيثريوم تستقطب الاستثمارات وتغير موازين السوق.
شهدت أسواق العملات الرقمية تقلبات حادة خلال الأيام الماضية، حيث واصلت عملة بيتكوين (Bitcoin) خسائرها متراجعة إلى أدنى مستوياتها في ما يقارب سبعة أسابيع، مبتعدة عن ذروتها التاريخية المسجلة منتصف أغسطس. هذا التراجع أثار قلق المستثمرين الذين يرون أن السوق يدخل مرحلة اختبار جديدة قد تحدد مساره في الفترة المقبلة.
في تعاملات آسيا المبكرة يوم الثلاثاء، انخفضت بيتكوين بنسبة 0.8% لتصل إلى نحو 108,719 دولارًا قبل أن تقلص بعض خسائرها لاحقًا، لكنها بقيت دون متوسطها المتحرك لمئة يوم، وهو مؤشر فني يُنظر إليه باعتباره إشارة ضعف على المدى القصير.
وفي المقابل، تمكنت إيثريوم (Ethereum) من لفت الأنظار بعدما أصبحت "الخيار الساخن" للمستثمرين. فقد سجلت ثاني أكبر عملة مشفرة مستوى قياسيًا بلغ 4,955 دولارًا يوم الأحد، ورغم تراجعها قليلًا بعد عطلة نهاية الأسبوع، فإن الرهانات مستمرة على قدرتها على مواصلة الصعود خلال الأشهر المقبلة.
تحول استثماري واضح نحو إيثريوم
البيانات الأخيرة من صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة الأمريكية تكشف عن تحول استثماري كبير. ففي أغسطس، شهدت الصناديق المرتبطة بـ بيتكوين عمليات سحب صافية تجاوزت مليار دولار، بينما جذبت الصناديق المرتبطة بـ إيثريوم تدفقات قوية بلغت 3.3 مليار دولار. هذه الأرقام تعكس بوضوح انتقال جزء كبير من السيولة الاستثمارية نحو إيثريوم، في إشارة إلى أن المستثمرين يفضلون التنويع وربما يراهنون على مستقبل أكثر إشراقًا لها.
ومع ذلك، لم يسلم أي من الطرفين من الضغوط البيعية. فقد تكبدت كل من بيتكوين وإيثريوم خسائر مضاعفة خلال الأيام الأخيرة، ما جعل بعض المتداولين يعيدون النظر في مراكزهم المالية.
تصفيات قسرية وخسائر بمليارات الدولارات
بحسب تصريحات شون داوسون (Sean Dawson)، رئيس قسم الأبحاث في شركة Derive.xyz، فإن الأسبوع بدأ "بشكل دموي" بالنسبة للعملات الكبرى. فقد شهدت أسواق الكريبتو عمليات تصفية تجاوزت 900 مليون دولار، كان النصيب الأكبر منها على إيثريوم بقيمة 324 مليون دولار، تلتها بيتكوين بـ 209 ملايين دولار، ومعظم هذه المراكز كانت عمليات شراء أُجبرت على التصفية بعد التصحيح الواسع للأسعار.
هذه التصفية الضخمة عكست حجم الرافعة المالية المستخدمة من قبل المتداولين، وأكدت أن السوق ما زال هشًا أمام أي ضغوط مفاجئة، خصوصًا مع تزايد المخاوف بشأن استقرار الأسعار على المدى القريب.
بيانات المشتقات تكشف عن حذر المستثمرين
التحليل الأعمق لبيانات المشتقات يشير إلى تزايد الحذر بين المتداولين. فقد أوضح داوسون أن مؤشر الانحراف 25 دلتا — وهو مقياس يحدد ما إذا كان المستثمرون يدفعون أكثر مقابل الحماية من الهبوط مقارنة بالتعرض للمكاسب — قد تحول إلى المنطقة السلبية لكل من بيتكوين وإيثريوم. هذا التحول يعكس زيادة ملحوظة في الطلب على خيارات البيع (Put Options) مقابل خيارات الشراء (Call Options)، وهو ما يعني أن المستثمرين أصبحوا أكثر ميلًا للتحوط من مخاطر الهبوط.
وبحسب التقديرات، فإن الأسواق قد تشهد محاولات لإعادة اختبار مستويات 100,000 دولار لبيتكوين و 4,000 دولار لإيثريوم خلال الفترة المقبلة، مع بقاء التذبذبات جزءًا أساسيًا من المشهد.
دور المستثمرين والمؤسسات المالية
من الواضح أن المشهد الحالي يعكس صراعًا بين مستثمرين أفراد يسعون وراء المكاسب السريعة من خلال المشتقات والرافعة المالية، وبين مؤسسات مالية كبرى تحاول اقتناص فرص طويلة الأمد. ورغم الضغوط الحالية، فإن بعض المحللين يرون أن هذه التراجعات قد تمثل "مرحلة صحية" لإعادة التوازن في السوق وجذب سيولة جديدة.
وفي هذا السياق، أكدت تقارير بحثية صادرة عن بوينت تريدر جروب (Point Trader Group) أن سوق العملات الرقمية ما زال يتمتع بإمكانات قوية للنمو، خصوصًا مع استمرار الاهتمام المؤسسي المتزايد وإطلاق منتجات استثمارية جديدة مثل صناديق ETF الخاصة بالكريبتو.
نظرة مستقبلية: هل تتفوق إيثريوم على بيتكوين؟
السؤال الذي يطرحه الكثيرون الآن هو: هل يمكن لإيثريوم أن تتفوق على بيتكوين في المدى المتوسط؟ بعض الخبراء يشيرون إلى أن التطويرات المستمرة على شبكة إيثريوم، خصوصًا مع التوجه نحو إيثريوم 2.0 وتحسين كفاءة المعاملات، قد تجعلها أكثر جذبًا للمستثمرين. في المقابل، تبقى بيتكوين "الذهب الرقمي" وأصل التحوط الأول في سوق الكريبتو.
المحصلة النهائية أن ما يحدث حاليًا ليس مجرد تراجع عابر، بل إعادة تشكيل لخريطة القوة في سوق العملات الرقمية. وبينما يراقب المستثمرون بحذر، تبقى بيتكوين وإيثريوم في قلب المعركة، مع توقعات باستمرار التقلبات في الأجل القصير.